كلّ إمرءٍ لديه لعنته الخاصّة إلّا من حصّنهم الله من كلّ ملعون ..
موسيقى غريبة أسمعها كلّ يوم .. فسألتُ عنها! فأخبرني أخى أنّها موسيقى لعينة جميلة أخذها من أحد الأصدقاء الأجانب .. يقوم بتشغيلها والإستماع لها في عمله ، دراسته ، خلواته ، نومه .. بصوتها الخافت الثاقب للآذان .. حتّى أنا أدمنت سماعها ولكنّه لم يخبرني قط عن إسمها ولم يُرد أن يُرسلها لي .. لأنّها غالية ..
لم أشعر بالحزن لهذا ولكنّني أتعجّب أن يمنع شيئاً مثل مقطوعة موسيقيّة عن أخيه فإكتشفت أنّه يحبّها أكثر منّي ..
إنّها كانت دوماً تنشر أجواء كئيبة وكراهية سوداء وحقد وصمتٌ باردٌ في المكان ، مع أصواتها التي تشبه فحيح الأفاعي وتشحرج الأنفُس تُشعرك بأنّ النهاية قادمة .. لا بل نحن نستهلّ النهاية الآن ..
تُشعرك بوجوب النظر دوماً إلى الخلف وإلى اليمين وإلى اليسار وإلى فوقك وتحتك حذراً ممّا هو قادم .. وتُقشعر لك بدنك .. وليس لأنّ المكان مُظلم فهو ساكنٌ وخالٍ .. وليس لأنّ شيئاً أنا لا أصدّق به فهو ليس بِحقّ ، لو كان للشيطان حبّ فهي تلك الموسيقى .
ولهذا فقد أخذت الإسطوانة من أخي الأكبر وأخبرته أنّي لم أرها ثمّ حطّمتها بكل عنف وكراهية وحرقتها حتّى إنصهرت ولكنّي رأيت ما لا يُصدّق .. وكأنّ الإسطوانة تأبى أن تنتهي .. ولكنّي سمعت ما لا يُصدّق كذلك .. فالمعزوفة تعزف بِصُراخٍ بينما تحترق ..
هذا مضى ، المعزوفة إحترقت وأخي مات وتركتُ القرية بأكملها ..
عملي هو عمليّة الدخول إلى البيوت التي يزعم أهلها أنّها تعجّ بالأرواح الشريرة والخَزَنَة الملاعين والبِياتُ فيها والنوم والأكل والإستمتاع بالوقت لإقناع الناس أنّه لا خطب هُنا .. مُقابل بعض المال ..
لكن حين أحاول إقناعهم بذلك ولا أقتنع أنا فهذا هو الخطأ المُفزِع .. وهذا ما حدث في أحد البيوت القديمة التي إسودّت أركانها وقال أحد الأمّهات من العائلة هُنا إختفت إبنتي .. ببساطة وبلا أي تدخّل .. تركناها وأغلقنا كل منفذ وإختفت .. بعد الكثير من المصائب والحوادث ..
في مثل تلك الحالات أسأل الأب والأم عمّا كانت عليه حياة الضحيّة يقولان كلّ خير إلّا قبل سنة .. كل شئ أصبح سيء وتبدّلت الفتاة .. فقلت لهما أن يخرجا من الغرفة كي أبدأ عملي وقمت بتمشيط الغرفة لأحصل على الأدلّة و الطاعِنات .. ومن بين أغراض الفتاة كانت هناك بعض الوريقات الصغيرة .. يتّضح أنّها يوميّات الفتاة ..
فأمسكت بالقصّة في أول ليلة مكثت فيها بالمنزل وحدي وقرأتها سطراً سطراً ..
” لم أكُن فكُنت .. ونزلت من السماء إلى أحشاء أمّي .. نظروا لي لمّا رأوني وكأنّهم لطالما إنتظروني .. مرّت السنوات وأراني أكبر وأتوقُف عن البكاء شيئاً فشيئ فأنا كنت كثيرة البكاء فكنت لا أعرف شيئاً إلّاه .. كلُما أكبر أزداد جمالاً وفتنة مع أنُّ ملامحي الطفوليُة كانت رائعة ولكن الآن جمالي من نوعٍ آخر ، أصبحت كل تفاصيلي جميلة وتُعجب الرجال .. وصلتُ إلى العشرون وحتُى أنا أصبحت أتدارس جمالي في المرآة .. يا لتعاستي الكثير يحبّونني ولكنّي لم أحبّ ولا واحداً منهم ولهذا فأنا تعيسة ولكن كإي فتاة فأنا أقول للجميع لا يهمّني الحب ولا الرجال ..
أكذب كما يكذبن جميعاً .. وبدأت أؤمن بأن الجميلات هُنّ التعيسات دائماً .. ولهذا فأكثر من أغار منهنّ القبيحات ، ذات ليلةٍ كنت جائعة .. لا يوجد ف البيت أي طعام ولن أنام الآن ..
أخذت بعض المال ونزلت بلا إستئذان فلا يوجد هنا غيري والجميع مسافرون .. جميع محلّات الطعام أغلقت فالصباح عيد .. فتمشّيت كثيراً لأحصل على الطعام وحينما كنت عائدةً إلى البيت كان يمشي موازياُ لي شابٌ ما لم أره هنا من قبل .. وكلّما أدخل شارع أو زقاق يدخله معي قبلي أو بعدي كأنّه ذاهب لبيتي!
ولحسن حظّي إقتربت خُطانا فرأيتُ وجهه الجميل الذي أعجبني كما أعجبني تواريه وغموضه .. فصعد معي ودخل أحد البيوت في الطابق الأعلى هكذا فسّرت الأمر من سماعي لصوت بابه .. يبدو أنُه أحد السكّان الجدد .. صار في يومين بعد ذلك ساكن أحلامي من مجرّد رؤيته ..
أنا أذهب إلى الباب لأرى من الصاعد أو النازل على السلالم عندما أسمع صوت أقدام لعلّه هو .. وزاد هذا تعلقي به ولكنّني أغضب كلّما أعلم أنّه لا يراني ولا يفكّر بي ولا يعلم من أنا حتّى .. وكما الحال دائماً بدأت بلفت نظره لي بطريقتي الخاصّة .. وهو ألّا أعطيه أيّة إجابة عن أي شئ ..
أمنحه الإيحاء بأنّي ثمينة ورائعة بلا أن يستطيع الحصول على شئ منّي ولكن ما الخطب فهو لا يستجيب ، المرأة تعلم بأمر من تُعجبه .. وهذا البارد لا يستجيب .. فاجئتني طرقات على باب المنزل صباح يومٍ ما ..
وكنت لا أنام بسببه فوجدته هو من يطرق .. تأخّرت عليه لأني رتّبت هيئتي بسرعة لأكون جميلة .. فقال لي بصوته الرجولي ، “صباح الخير” .. وطلب منّي أداة ما لا أعرف فيم تستخدم فقال أنّه الآخر لا يعلم ولكنّه يعجز عن إيجادها في المنزل لأمّه ويأمل أن يستأذن أن يأخذها لبعض الوقت وسيعيدها كما هي .. فقلت له ثوانٍ ..
وأيقظت أمّي بسرعة وقالت لم تبدين سعيدة هكذا فقلت لها لا شئ لا شئ فقط أين تلك الأداة .. فقالت لي بالمطبخ العلوي .. فأحضرتها ونظّفتها وذهبت لأعطيه إيّاها فوجدت أحدهم قد أغلق الباب .. فقالت لي أمي لماذا كان الباب مفتوحاً بينما لا أحد بالخارج .. فقلت لها لا بل هناك .. فقالت ربما غادر .. ففتحت الباب وعيناي يائستين ، فوجدته .. فقال لي أن أمي قد أغلقت الباب بوجهه .. ربما لم تراني وإبتسم لي .. ولكن القصة لم تبدأ بعد .. بعد ذلك اليوم بدأت أراه كثيراً وأرى الإعجاب ثمّ الحب في عينيه .. تتراقص قلوبنا على نفس الألحان ..
قال لي ذات ليلةٍ مطيرة .. هل تحبّينني فقلت له نعم أحبّك لم أستطع حبسها .. فقال لو طلبت منك شيئاً ما هل ستفعليه ، فقلت هذا يعتمد على ماهيّة هذا الشئ ، فقال لي أن آخذ منه ورقة ما .. وألّا أقرأ المكتوب فيها إلّا فجراً .. وعندما أقرأها أفعل المكتوب فيها ..
سترينها أشياء غريبة وسيئة ولكنك ستصلين إلى أشياء غريبة وجميلة ، نشوات جهنمية وأساليب سعادة نفسية رائعة .. أفضل من أيّة عقاقير أو مخدرات كانت أو ستكون .. ست